يحلو
لابنتي الشابة ان تسألني بين حين وآخر ماذا اكون فاعلة لو هبطت علي ثروة
تقدر بعشرة ملايين جنيه من حيث لا ادري. حين تسألني اجد نفسي افكر وافكر
وافكر ثم ابتسم لها واقول : من المؤكد ان اعطيك جزءا من ثروتي الافتراضية
ولكنني في الحقيقة لا احتاج عشرة ملايين لأنني اعتبر البيت الذي اسكن علي
صغره النسبي افضل من اي بيت في العالم مهما بلغ اتساعه او فخامته. والسبب
هو ان بيتي هو بيتي الذي اخترت والذي رتبت علي مدي السنوات كما يحلو لي
والذي تسكن في اركانه ذكريات كثيرة تتردد اصداؤها في دواخلي حين اجلس وحدي
احدق في الفضاء الساكن.
هذا من حيث المسكن . اما من حيث المأكل فلا راد لفضل الله في الرزق بحيث اننا نأكل طعاما طيبا نعده لانفسنا ولا نشتهي خيرا منه.
ثم
اذكرها بأنني امتلك ثيابا تناسبني ولا انشغل بتمني امتلاك افضل منها,
وبانني اعمل لأني افضل العمل وليس لأنني احلم بثروة تغنيني عن العمل.
تذكرت
حواري معها اليوم وانا تصفح الجريدة اليومية فوقعت علي خبر يفيد بأن ارامل
ايطاليات خرجن في مظاهرة صامتة وقد حملت كل منهن راية بيضاء . تلك
المظاهرة هي مظاهرة حداد علي ازواج انتهت حياتهم يأسا من النظام المالي
السائد في دول غرب اوروبا وخوفا من مستقبل يهدد الرجال بالعجز عن سداد
الديون وتوفير القوت لاسرهم. وهالني ان اقرأ ان نسبة المنتحرين من الرجال
في تزايد حتي بلغت اكثر من ٣٠٠ حالة في اليوم الواحد.
هؤلاء الرجال
ماتوا خوفا من حكوماتهم التي تقلص الخدمات مثل بناء المدارس وشبكات
المواصلات والخدمات الصحية والابحاث وتتوسع في فرض الضرائب المباشرة وغير
المباشرة وتطالب الناس بشد الحزام تقشفا لكي تتمكن الحكومة من دفع فوائد
القروض التي منحتها اياها البنوك . وفي الوقت نفسه يجلس رؤساء البنوك
وشركات التأمين في غرف مغلقة يوزعون الارباح بالملايين علي بعضهم بعضا. فقد
بلغ راتب احد المدراء اضافة الي الحوافز والمكافآت ١٣ مليون جنيه في العام
المنصرم. اي ثلاثة ملايين جنيه زيادة علي ما صوره خيال ابنتي من ثروة يمكن
ان تهبط علي امها مرة في العمر لا مرة كل عام. ومن الطبيعي ان يتساءل
المرء: من اين تأتي البنوك بالاموال؟ والاجابة العجيبة هي: ان البنوك تمتلك
سلطة طبع الفلوس كما تشاء . وتوزع ما تطبع لتخدم مصالح فئة معينة من الناس
لتمكنهم من شراء الاصول من شركات وعقارات ومصانع بحيث تصبح تلك الفئة هي
المتصرفة في حياة الموظفين والعمال علي كافة درجاتهم. والقروض تدفع بفوائد
تعود الي البنوك فتوزع منها القليل علي المستثمرين والكثير علي كبار موظفي
البنك. وتلك الفوائد هي ما تفرضه الحكومات كديون يدفعها المواطن بفعل
الاجراءات التقشفية ا ومنها علي سبيبل المثال لا الحصر الغاء الوجبات
المدرسية في مدارس الاطفال والغاء اجازات الحمل والولادة التي كانت تدفع
للنساء العاملات في الحكومة والشركات.
باختصار: البنك يطبع فلوسا
لا وجود لها فتتسلمها الحكومات وبعضها فاسد,وتتصرف فيها كما يحلو لها . ثم
تطالب الشعوب بدفع فاتورة الفوائد لكي تعود القروض للبنوك مضافا اليها سعر
الفائدة التي تقتطع من رواتب ومداخيل الموظفين والعمال .
قد لا
اكون خبيرة في علم الاقتصاد ولكن شيئا ما في ضميري اوحي لي ان تلك هي
الاسباب التي جعلت الربا محرما في الاسلام لأنه اسوأ انواع استغلال الناس
بعضهم لبعض. فالديون هم بالليل وعذاب بالنهار . وافضل للمرء الا يقتراض
فلوسا لا اصل لها في الواقع الا في خيال اصحاب البنوك وعملائهم , لشراء
بضائع استهلاكية تروج لها ماكينات الدعاية , ما ان تصل الي يدك حتي تزهدها
نفسك. وهي في الواقع لا تفيد الا اصحاب المال الذين يدفعون اليك بالملاليم
ويطالبونك بسداد الملايين.